كانت الثورة حربا عربية، خاض العرب غمارها لتحقيق هدف عربي في بلاد العرب.
كان دوري في الثورة دورا صغيرا، ولكن نتيجة لقلم سيال وذهن ناشط، فإنني أخذت لنفسي دورا رئيسيا مصطنعا.
ألم أفقد شرفي عندما أكدت للعرب أن انكلترا تحافظ على عهودها؟
لا أدري إذا كانت عظمة جميع المشاهير بنيت على التزييف مثلما بنيت شهرتي.
لورانس
يعتبر توماس إدوارد لورانس "لورانس العرب" من أشهر شخصيات الربع الأول من القرن العشرين وأكثرها سحرا وجاذبية، ومن أكثر الأشخاص إثارة للإعجاب والحيرة في آن معا.
لقد مثل أفضل ما يمكن أن يتحلى به بطل من أبطال الإمبراطورية البريطانية من شمائل، في مقدمتها النزاهة والحكمة والشجاعة، ورفع على منكبيه عبء بلاده في الشرق الأوسط، وقاد أصدقاءه العرب الأوفياء إلى النصر في حربهم مع الأتراك.
وقد استحق الإكرام، فمشى في مواكب الملوك والشعراء والقادة والوزراء.
• هذا من وجهة نظر غربية...
• أما من وجهة النظر العربية:
فإن لورانس هو جاسوس بريطاني، كان عميلا للمخابرات البريطانية، يعمل ضمن خطة وضعتها تلك المخابرات لكي تفتت به العالم العربي.
حياته:
ولد توماس إدوارد لورانس عام 1888 في انكلترا، ومنذ صغره ظهرت عليه نزعة السيطرة والتفوق والقيادة والشجاعة، في لعبة السلم والحرب، كما بدت عليه سمات الذكاء الحاد والمخيلة الوثابة، والإحساس المرهف.
أنهى لورانس شهادة الثانوية، والتحق بجامعة أكسفورد، قسم الآثار، وكان يعيش في أكسفورد "جيمس هوجارت"، والذي يشرف على متحف أكسفورد، باعتباره كاتبا وعالما في الآثار، وهو في نفس الوقت كان يشغل منصبا بارزا في المخابرات البريطانية. وقد لاحظ هذا الرجل شغوف لورانس بالعلوم الأثرية، فاهتم به ورعاه علميا ونفسيا في شتى مراحل الدراسة، وأدخله في المخابرات البريطانية، التي كانت في أوج عظمتها وسلطانها.
لورانس وسحر الشرق:
لقد كان لقاء لورانس مع العرب صدفة، وذلك عن طريق كتاب اسمه "الصحراء العربية" بقلم "شارل داني"، حيث كان لورانس يطالع هذا الكتاب وهو طريح الفراش لكسر في رجله، وقد ألهب الكتاب مخيلته، وأيقظ في نفسه رغبة ملحة، تدعوه إلى تعلم اللغة العربية، والغوص بسحر هذا الشرق الأوسط.
لورانس بعد الدراسة:
انتهى لورانس من المرحلة الدراسية، وقرر إعداد دبلوم عن تأثير الصليبيين على فن النحت في الأجيال الوسطى، لذلك قرر السفر إلى الشرق للتحضير لهذه الدبلوما.
فسافر وكان يبحث وينقب عن الآثار التي تساعده على إتمام دبلومته، وتعرف على البدو وحياتهم، وأحب حضارتهم.
ثم عاد إلى موطنه الأصلي "بريطانيا" وقدم الدبلوما، ثم أعيد للقيام ببعض البحوث، ووقتها توثقت معرفته أكثر بالصحراء وأهلها، وعرف عادات الشرقيين وتعلم لغتهم، وأصبح يجيد اللهجة البدوية، وصار كأنه من أهل هذه البلاد، وقد أدت قدرته على التحمل إلى إعجاب البدو الزائد به، وكان لورانس يعد نفسه لعمل سياسي في البلاد العربية لم يسبقه إليه أحد.
ظهور الأسطورة:
في أكتوبر سنة 1916 بدأت أسطورة "لورانس العرب" بالظهور، فقد استطاع لورانس التسلل إلى القبائل العربية التي كانت ثائرة على الاستعمار العثماني، وراغبة في التخلص من حكم الأتراك.
واستطاع لورانس أن يقنعهم بالثورة على العثمانيين، والتحالف مع القوات البريطانية مقابل التعهد لهم بإقامة دولة عربية واحدة مستقلة، و أصدرت السلطات البريطانية ما يثبت للقبائل العربية أنها ستنفذ ما تعهد به لورانس باسمها، ولكن ما إن انتهت الحرب العالمية الأولى حتى تنكرت بريطانيا لهذا الوعد، وقامت بتجزيء البلاد العربية.
وهنا ظهرت أكذوبة لورانس، وأنه عميل يهدف إلى تفتيت وحدة العرب، وقد قام بعملية أخرى، إذ إنه وعد شريف مكة باسم بريطانيا بأنها تضمن قيام دولة عربية كاملة وشاملة، فخدع بذلك زعماء القبائل والشريف وأعلنا بالتالي الثورة على الأتراك.
ثم قامت بريطانيا وفرنسا وبعد هزيمة تركيا، بعقد اتفاق سري، عرف فيما بعد بمعاهدة سايكس بيكو، والتي بموجبها تعود سوريا ولبنان لفرنسا، والعراق والأردن وفلسطين لبريطانيا.
وأخيرا فإن بريطانيا اعتبرت لورانس يقوم بخداع البدو من العرب لمصلحتها، فقامت بمنحه وسام الحرب، لكن لورانس عندما شعر بما سببه للعرب رفض الوسام.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، انتهت مهمة لورانس تقريبا، وعاد إلى لندن يقضي هناك بقية حياته.
واعتقادا منه بأن العرب وقعوا ضحية الخيانة، وأنه لن يتمكن من الوفاء بالعهد الذي قطعه لهم باسم انكلترا، انسحب من الحياة العامة وانطوى على نفسه حتى لم يعد يراه أحد.
وفي عام 1927 تعقد من اسم أسطورة "لورانس العرب" فغير كنيته إلى "شو"، وفي منزل ريفي صغير، تفرغ لكتابة مذكراته التي نشرها في كتاب بعنوان "أعمدة الحكمة السبعة"...
هذا الكتاب الذي أحدث أكبر ضجة أدبية وسياسية.
إذا فقد عاش لورانس عيشة غريبة ومات أيضا ميتة تدعو إلى الأسى، فقد قتل في عام 1935 بحادث دراجة نارية.